-->
U3F1ZWV6ZTIxMjgyMDQ4NDQwX0FjdGl2YXRpb24yNDEwOTYyNDc2MTM=
recent
أخبار ساخنة

هام من فاطمة ناعوت بعد قرار الرئيس السيسي بشأن أزمة الكنيسة

"المنيا" على "مسافة السكة" … شكرًا يا ريّس!
========================
لم يمرّ أسبوعان على مقالي الحزين: (مسافة السكة لـ المنيا الشقيقة يا ريس! ) هنا بزاويتي الأسبوعية بجريدة "المصري اليوم"، حتى استجاب الرئيسُ مشكورًا بالنظر في هذا الملف العاثر العسر: "المنيا، ونجوعها وقُراها”، وأصدر قرارًا سياديًّا حاسمًا بإعادة فتح كنيسة: “السيدة العذراء" بعزبة "الفرن" مركز أبو قرقاص"، وكنيسة: "الأنبا بولا" بعزبة "كدوان" مركز المنيا، وفق البيان الرسمي الذى وقّعه كلٌّ من: الأنبا "أرسانيوس"، مطران المنيا وأبو قرقاص، والأنبا "مكاريوس"، الأسقف العام.


ولكن، لماذا هو ملفٌ عاثرٌ وعسرٌ؟! لأن تلك المحافظة المنكوبة بالطائفية والويل، لا يحكمُها القانونُ المصريّ، ولا الدستور المصري. إنما تحكمها الاستقوائية "القبلية"، والأعرافُ المتطرفة، وقانون الغاب الذي يُجيز للأكثرية قهرَ الأقلية، مع كامل تحفّظي اللغويّ على مصطلحي: "الأقلية" و"الأكثرية" اللذين لا محلّ لهما حال الكلام عن مواطنين أكفاء متساوين في الحقوق والواجبات، وفق نص الدستور.
والحقُّ أن لا محنَ تضرب مجتمعًا فتقصمه، قدر ما تفعلُ الطائفيةُ البغيضة. فإن أردتَ أن "تُبيد" مجتمعًا، اضربه بفيروس الطائفية. فعجزُ الموازنة، والغلاءُ مقابل تدنّي الأجور، وضعفُ الانتاج مقابل الاستهلاك الفوضوي، والتضخّم والفقرُ وحتى الانهيار الاقتصادي في مجتمع ما، هي بالتأكيد أمورٌ تُعثّر المواطنين، وتُصعّب الحياة، لكنها لا تقتل المجتمع. لكن ما يقتله بشراسة هو الغلبةُ الطائفية والاستقواء بالمذهبيات وضعف تطبيق القانون على البلطجية. الطائفيةُ سرطانُ الشعوب. ولماذا أسمّيها "سرطانًا"؟ لأنها تقسمُ خلايا المجتمع الواحد، تمامًا كما تنقسمُ خلايا الجسد المُسرطن، فيبدأ الجسدُ في مهاجمة "نفسه" حتى يتآكل ويفنى. المجتمعات تتآكل وتفنى إن انقسمت على نفسها مذهبيًّا وطائفيًّا. والحق أن هذا لا يحدث إلا في تزامن مع انهيار المنظومة التعليمية وفقر الثقافة وضعف دولة القانون. فثمة مجتمعات قوية تضمُّ تحت مظلتها عشرات الأديان والطوائف والمذاهب، لكنها تظلُّ قوية، وتنتعش اجتماعيًّا واقتصاديًّا وصناعيًّا وعلميًّا. وثمة مجتمعات تعسة، قد لا تضمّ تحت مظلتها إلا عقيدة واحدة ببضعة مذاهب، لكن السوس ينخرُ في عظامها. لماذا؟ لأن المجتمعات الأولى تطبق القانون "الأعمى" طائفيًا. فيما تغرقُ المجتمعات الثانية في وحل القانون الأعور. هل يكون القانون أعمى وأعور؟ وهل الأعمى أفضلُ من الأعور؟! نعم. فعماءُ القانون عن العقائد؛ يعني أن مبدأ المواطَنة سليمٌ معافًى. يعني أن الدولة تقفُ على مسافة واحدة من الأديان كافة، وذلك هو تعريف "العلمانية" التي شوّهها الجهلاء. أما حين يكون القانونُ أعورَ، فذاك يعني أنه ينظر بعين الرضا إلى أبناء عقيدة ما، وبعين السخط إلى أبناء عقيدة أخرى. هنا تنهار قيمةُ المواطنة، ويغيبُ العدل، وتنشأُ الفوضى وينتشرُ الظلمُ والفساد، ولا يتبقى إلا فناء المجتمع. لهذا ابتكر أجدادُنا العظماء الأذكياء، قدماء المصريين، صورَة ربّة العدالة: "ماعت"، معصوبةَ العينين (عماء) للدلالة على عدلها المطلق دون النظر إلى حيثيات الخصوم، إن كانوا أغنياء أم فقراء، أسيادًا أم أُجراء، ذوي حيثية وسلطان أم عكس ذلك، مؤمنين بما يؤمن به الحاكمُ، أو الأكثرية العددية، أم غير ذلك، أو حتى لا يؤمنون على الإطلاق، وهلمّ جرّا من اختلافات فردية بين مواطنين، المفترض لهم أن يمتلكوا حقوقًا متساوية دون النظر إلى أية اعتباراتٍ أخرى، مثلما عليهم واجباتٌ متساوية تجاه وطنهم. ذلك هو مبدأ المواطنة العادل الذي ننشده، وهو أساس الدولة المدنية التي ننادي بها منذ وعينا على الحياة، وسنظلُّ نكافحُ من أجل تكريسها حتى نموت. الحرية العقدية لدى المواطنين كافة، هو أحد أهم البنود في كل دساتير العالم، وفي دستورنا المصري الراهن. لكن، للأسف، الأعرافُ دائمًا أقوى من الدساتير والقوانين في المجتمعات الرجعية المتخلفة عن ركب الحضارة. وهو عينُ ما يحدث في محافظة منكوبة، مثل محافظة المنيا التي أرجو أن يُفتح ملفُّها ولا يُغلق حتى يحكمها القانون والعدلُ والجمال، وليس العرفُ والهمجية والبلطجة، مثلما الآن. 
كلمةٌ في أُذن الرئيس السيسي، صدقني أنني أشعرُ بقمّة الخجل والخزي والحَزَن، كلما أمسكتُ قلمي لأكتب عن حقوق المسيحيين المُهدّرة في بلادي! أشعرُ بالخجل حين أكتب عن حقهم في الصلاة الآمنة في كنائسهم دون أن يقف جنديٌّ أو حارسٌ على الباب يحميهم من حزام ناسف أو قنبلة. أشعرُ بالضِّعةِ حين أكتب عن حقهم في ممارسة شعائر دينهم دون خوف، مثلما نمارسُ شعائرنا بكامل الاطمئنان. أشعرُ بالرخص حين أضطر أن أكتب شيئًا من التاريخ ليعرف أبناؤنا ما يجهلوه عن أصالة أقباط مصر وحقهم الطبيعي في مصر الذي يسبق حقّنا نحن المسلمين بستة قرون! أشعرُ بالحزن حين أكتبُ عن حق المسيحيين الدستوري والحضاري في تولي المناصب العليا في الدولة مثل حق نجلي ونجلكم. لأن الكتابةَ عن البديهيات أمرٌ مُخجلٌ لا يليق بقلمي حين يكتب، ولا يليقُ بعينيك حين تقرآن ما أكتب! حريٌّ بقلمي أن يكتب عن اختراع باهر أنجزه شابٌّ مصريّ يُدوَّن في بنك المعلومات، أو عن مصنع جديد شيّدته سواعدُ مصريةٌ، أو عن طبيبة مصرية اكتشفت علاجًا للسرطان، أو عن قطعة موسيقية فائقة ألفّها موسيقارٌ مصري، أو عن جائزة نوبل حصدها أديبٌ مصريّ أو عالم، أو حتى أن يكتب قصيدةً في حب مصر. ارفعْ عني خجلَ قلمي يا سيادة الرئيس، بحقّ مصر عليك، وحق المصريين عليك، وحق الله.
فاطمة ناعوت
المصري اليوم
الاسمبريد إلكترونيرسالة