-->
U3F1ZWV6ZTIxMjgyMDQ4NDQwX0FjdGl2YXRpb24yNDEwOTYyNDc2MTM=
recent
أخبار ساخنة

اسئلة حول التجسد واجابتها

بسم الاب و الابن و الروح القدس الاله الواحد امين
أسئلة حول التجسد
يتصور البعض أن التجسد يتعارض مع طبيعة الله، لأن الله روح بسيط خالد، غير مركب، ولا مادى، ولا يصح أن يأخذ صوراً حسية، مرئية أو مسموعة أو محسوسة. فهل هذا التفكير سليم؟ وما خطورة هذه الفكرة على البشرية وعلى خلاصها؟.
1- نظرة خاطئة للمادة:
هذه الفكرة - أن الله لا يتجسد - تخص بين طياتها نظرة خاطئة وخطيرة إلى المادة. أليست المادة بكل صورها إحدى مخلوقات الله؟! ما الغضاضة إذن فى أن يتخذ الله منها وسيلة يعلن بها عن روحانيته واختفائه وعلوه، لبشر حسيين وضعفاء؟! إن فكرة نجاسة المادة ليست سليمة إيمانياً، وترجع فى أصولها إلى فكر وثنى وهندوسى، يتصور أن الإنسان روح محبوسة فى جسد، هو لها مثل سجن قابض. وهم بذلك يعذبون أجسادهم بالمسامير، وينهكونها بأصوام مفرطة متطرفة.
هل يخلق الله شيئاً دنساً؟! أليست أجسادهم من صنع يده؟ ألا تحوى أجسادنا أدق أسرار الخلق، وتحمل أعمق الأدلة وأصدقها على وجود الخالق الأعظم؟ لا يصح أن ننسب إلى أعمال الله النقص أو النقيصة، الإنسان خلق مقدساً، وعاش مع الله فى الفردوس بنفس جسده الحالى، ولكنه اختار أن يستمع إلى غواية الشيطان فسقط فى براثنه. فالخطأ إذن دخل إلى جسده فيما بعد، وإلى روحه وكيانه كله. أما الإنسان ككل، وكخليقة الله فى الأساس، فكان "حسن جداً" (تك31: 1)، ولعل هذا هو السبب فى أن تتمسك كنائسنا التقليدية باستخدام المادة فى الأسرار المقدسة، كالماء فى المعمودية، والزيت فى الميرون ومسحة المرضى، والخبز والخمر فى التناول، لتؤكد لنا أن كل شئ خلقه الله هو مقدس، وأن المشكلة هى فى "سوء الإستخدام" وليس فى المادة نفسها.

2- نظرة خاطئة إلى الله:
الله بالفعل روح بسيط قدوس، مالئ السماء والأرض والتجسد لا يغير من طبيعته. ولا داعى لأن نخشى من التجسد على طبيعته. فالله حينما يتخذ جسداً، أو يسمعنا صوتاً أو يرينا نوراً لا يكف عن كونه الروح البسيط الخالد القدوس، مالئ السماء والأرض. إنه لم "يتحول" إلى جسد.. حاشا! إنه فقط "اتخذ جسداً". فهل فى هذا مشكلة؟ أليس هو قادر على ذلك؟.
وهناك تشبيهات كثيرة لهذا الأمر: مثلاً الجو كله من حولنا يموج بالإرسال الإذاعى والتلفزيونى، موجات مرسلة من القاهرة وتنتشر فى الجو إلى كل بلاد الجمهورية. لا نراها ولا نسمعها بالعين والأذن المجردتين، ولا بد من جهاز يستقبلها ويجسدها. وإذا استقبلناها فى جهاز لدينا، لا يعنى ذلك أننا إستنفذناها، أو إحتكرناها فى جهازنا هذا، فهى لا تكف عن الإنتشار فى أجواء مصر كلها. ومن هذا التشبيه نرى:
1-أن هناك موجات موجودة، لا نراها ولا نسمعها دون أن يلغى ذلك انها موجودة بالفعل. والقياس مع الفارق بالنسبة إلى إلهنا العظيم الموجود فى كل مكان وزمان دون أن نراه بعيون الجسد.
2-إن هذه الموجات غير المحسوسة يمكن أن تحس وترى من خلال تجسيدها فى جهاز. والقياس مع الفارق بالنسبة إلى إلهنا العظيم الذى هو روح سامية، ويمكن أن يتخذ صوراً حسية كالنار أو الصوت أو النور أو الجسم البشرى.
3-إن تجسد هذه الموجات فى جهاز، لا يعنى إنسحابها من الجو، وانحصارها فى هذا الجهاز. وكذلك فإنه حين اتخذ الله جسد إنسان، لم يكف عن كونه الإله مالئ السماء والأرض. لهذا قال السيد المسيح له المجد: "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء" (يو13: 3).

وما قلناه عن الموجات الإذاعية نقوله عن الطاقة الكهربائية فهى تتجسد فى مصباح دون أن يحتكرها هذا المصباح، وهكذا.. إذن فالتجسد لا يتعارض مع طبيعة الله، إذ أن الله هو الذى خلق المادة مقدسة، والمادة لن تحده بأى حال إذا ما إتخذها وسيلة يعلن لنا بها عن ذاته.
2- هل التجسد يتعارض مع قداسة الله وقدرته؟


يتصور البعض أن التجسد ربما يتعارض مع قداسة الله وقدرته… فيقولون مثلاً: هل من المعقول أن إلهنا العظيم القدوس المتعالى ينزل إلى بطن العذراء ويأخذ جسد إنسان، ويأكل ويشرب وينام ويصير كواحد منا؟! أليس فى ذلك تلويث لقداسة الله؟!
يرد القديس أثناسيوس الرسولى - أعظم من كتب عن سر التجسد - فيشبه إلهنا العظيم بالشمس، إذ نلمس فيها شبهاً من خالقها، فى سموها وطهرها وجبروتها ودفئها ولزومها للحياة… فلو سطعت الشمس على كومة من القمامة، أتتدنس الشمس، أم أنها تطهر هذه الكومة من القمامة دون أن تتلوث هى؟! كذلك إلهنا العظيم، حين يسكن فينا، لن يتدنس بنا، بل بالحرى يطهرنا بطهره… نعم يطهرنا دون أن يتدنس!
وهذه الحقيقة لم تستجد بالتجسد الإلهى، بل الحرى نحياها كل يوم.. فالله يشرق بنوره وبروحه القدوس، على البشرية الخاطئة، منذ الأزمنة السحيقة، يعمل فيها، ويهديها، ويطهرها، دون أن يتدنس. فماذا استجد إذن؟ أليس الله فى كل مكان، وفى كل زمان، وفى كل إنسان مهما كان خاطئاً؟ هل يخلو منه مكان؟ مهما كان هذا المكان دنساً؟ هل نسينا أن الله غير محدود، ويستحيل أن تخلو منه أحشاء الإنسان أياً كان؟ ألسنا به نحيا ونتحرك ونوجد؟ إذن فالتجسد لا يتعارض مع قداسة الله إذ يتخذ جسداً يظهر به لا يتدنس بل يقدسه. الجديد هو أن الله إرتأى أن يأخذ مالنا، ليعطينا ماله. وأنه أحبنا فى المسيح، ليتحد بنا ونتحد به. رضى بالسكنى وسط البشر، وفى قلوبهم، ليطهرهم من الخطايا، ويجدد طبيعتهم الساقطة، ويحملهم على منكبيه فرحاً. ويعود بهم إلى السماء. إذن التجسد لا يتعارض مع قداسة الله، وفى نفس الوقت حتمى لقداسة الإنسان… كيف؟
عظيم هو سر التقوى
إن تجسد الله هو بالحقيقة سر التقوى: أى سر التقوى الإنسانية، وبدونه لا تكون التقوى ولا القداسة. والسبب ببساطة أن طبيعتنا فسدت بعد سقوط آدم وحواء، وكان لابد من تجديدها وإعادة خلقة الإنسان وصنعه مرة ثانية. فما كان من الممكن أن يتم هذا التجديد إلا بسكنى الله فى قلوبنا وتقديسه لطبيعتنا من الداخل. وهذا سر الأسرار فى المسيحية، فهى لا تكتفى بتقديم النصائح الخيرة والشرائع الطيبة والأوامر والنواهى. كلا، هى ببساطة تجعل إلهنا العظيم الذى سكن فى أحشاء العذراء، يسكن فى أحشائنا جميعأً فيطهرنا، ويخلصنا ثانية: "إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو17: 5)، إذن فالتجسد لا يضر بقداسة الله، ولكنه أساسى لقداستنا نحن…
وهل التجسد يتعارض مع قدرة الله؟
هذا غير معقول، لسبب بسيط، أن الله كلى القدرة، قادر على كل شئ. إن الشئ الوحيد الذى لا يوافق طبيعة الرب أن يعمله هو الخطية لأنها خارجة عن طبيعته، وهو منزه عن الشر. وخارج هذا الأمر "هل يستحيل على الرب شئ؟" (تك14: 18).
إذا كانت أرواح الصديقين تظهر لنا فى أشكال حسية كما ظهرت أم النور على قباب كنيستها بالزيتون، أفهل يكون هذا صعباً على الخالق الحافظ، القادر على كل شئ؟ وإن كانت الملائكة تظهر للقديسين فى هيئة حسية، فهل من الصعب أن يتخذ الله جسداً ويظهر لنا؟ إن التجسد هو سر خلاص الإنسان، وهو يتعارض مع طبيعة الله القدوسة القادرة. وهكذا يأتى السؤال:
ولماذا كل هذا؟ لماذا التجسد من الأساس؟ أفلم يكن أمام الله حل لمشكلة الإنسان خلاف التجسد؟ ما اهداف التجسد؟ هذا ما سنتابعه فى الفصل القادم إن شاء الله؟
كانت هناك مشاكل خطيرة أساسية وفرعية - أمام البشرية بعد سقوطها، ولم يكن هناك حل آخر سوى أن يتجسد الله الكلمة، ليحل هذه المشكلة التى يستحيل أن يحلها غير الله ذاته، وهذه المشاكل هى:

1- مشكلة التعرف على الله:
فالله روح غير محدود، والإنسان ملتصق بالمادة ومحدود. فهل يبقى الله عالياً فى سمائه بعيداً عن الإنسان الملتصق بالمادة والحسيات؟ وهل من المستطاع أن يصعد الإنسان إلى سماء الله رغم محدوديته وضعفه. وهكذا تجسد "كمعلم حكيم" - بحسب تعبير القديس أثناسيوس - ليصير قريباً منا ومحسوساً لدينا.
2- مشكلة موت الإنسان:
وهى المشكلة الجوهرية والأساسية. "أجرة الخطية هى موت" (رو23: 6). هذا حكم إلهى لا رجعة فيه. ليس لأنه مجرد إدانة غاضبة على الشر، بل لأن هذا هو المال الطبيعى للنفس الساقطة، إنها فى الموت تسعى وإلى الموت الأبدى تسير. من يجدد النفس والروح؟ ومن يقيم الأجساد بعد دفنها وإنحلالها؟ ومن يعطيها أن تتحول إلى أجساد نورانية؟ ليس سوى الله قطعاً.
3- فساد الطبيعة البشرية:
سقط الإنسان، وتلوثت طبيعته، وأصابها الفساد. وكان من الممكن طبعاً أن يسامحه الله رغم أنه حذره من العصيان. لكن المشكلة لم تكن فى رغبة الله أن يصفح أولاً يصفح، بل فى طبيعة الإنسان، ومن يجددها له مرة أخرى، بعد ما أصابها من فساد. وهذا العمل يستحيل على الإنسان الساقط، وعلى أى نبى أو ملاك، فالكل مخلوق ومحدود، وخلق الإنسان من جديد يحتاج إلى الخالق نفسه.
4- مشكلة سطوة الشيطان:
لقد أخضع الإنسان نفسه بنفسه تحت سطوة الشيطان، فقبض عليه وضغط عليه، وحتى عند موت الأبرار كانوا ينزلون إلى الهاوية، وإذا كان الفردوس مغلقاً، وكان لقد أخضع الإنسان نفسه بنفسه تحت سطوة الشيطان، فقبض عليه وضغط عليه، وحتى عند موت الأبرار كانوا ينزلون إلى الهاوية، وإذا كان الفردوس مغلقاً، وكان إبليس يقبض على نفوسهم هناك. ترى، من يستطيع أن يطلق البشرية من قبضة إبليس، سواء الأحياء على الأرض، أو الأرواح البارة التى فى الجحيم؟ من يستطيع أن يقتحم هذا المجهول، ليفك أسر المسبيين؟ يستحيل أن يفعل هذا سوى الله نفسه.
     
الاسمبريد إلكترونيرسالة